مواضيع قسم ‘إصلاح الإعلام’

قراءة في مشهدنا الإعلامي لعثمان الصيني (٤ مقالات)

أبريل
08

مقدمة:

نشر رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية أ.عثمان الصيني سلسلة مكونة من ٤ مقالات في صحيفة الوطن السعودية – (مرفقة الروابط أسفل المدونة) – قرأ فيها المشهد الإعلامي السعودي في ظل صعود الديموقراطيين لإدارة البيت الأبيض، والتحولات التي تشهدها المملكة في شتى المجالات، لذا كان الإعلام إحدى الأدوات التي يرى أ.الصيني ضرورة الاهتمام بها وتطويرها لتسهم في تعزيز صورة المملكة خارجيا.

لذا، في هذه المدونة الشخصية رأيت نقل هذه السلسلة لتضاف لمقالات سابقة تتحدث حول المشهد الإعلامي السعودي في الفترة الراهنة ٢٠٢٠م

.

.

قراءة في مشهدنا الإعلامي (1 / 4): كيف أصبح الإعلام سلطة رابعة

الحوار الذي يدور في الآونة الأخيرة بكثرة عن دور الإعلام والخلاف الواضح حول وظيفته امتد إلى مفهومه نفسه، وهو خلاف طبيعي ومتوقع بعد التغييرات المتسارعة مؤخرا وطالت كل شيء في الحياة ثقافيا واجتماعيا وتقنيا واقتصاديا، حتى لم نعد نتحدث عن الفوارق بين جيل وجيل، وإنما أصبح الفرق ملموسا بين عقد وعقد داخل الجيل الواحد، وامتد إلى الفرق داخل الإنسان نفسه في بضع سنوات، على مستوى العالم أجمع وإن بنسب متفاوتة.

والأمر ملحوظ أكثر في بلادنا التي تمر منذ العام 2015 بتحولات مفصلية في شتى مناحي الحياة، وكما كنا نقارن حياتنا قبل الطفرة الأولى وبعدها والثانية كذلك، أصبحنا ندرك بشكل واضح الفرق بين نمط الحياة والتفكير والسلوك قبل عام 2015 وبعده، ونتخيل أنفسنا ومجتمعنا عام 2030 مقارنة بما نحن عليه الآن، وهو تخيل مبني على خطط وبرامج واقعية وليس من قبيل الخيال العلمي الروائي والسينمائي ولا على طريقة «طقها والحقها» كما حصل أيام الطفرة، والإعلام جزء من هذه التحولات، فالإعلام سابقا (العصر الأول) ليس هو الإعلام حاليا (العصر الثاني) ولن يكون بالتأكيد هو الإعلام القادم، كما أن الإعلام في أمريكا وأوروبا يختلف تكوينا ووظيفة عن الإعلام في روسيا والصين ويختلفان عما هو عندنا، لمعطيات اجتماعية وسياسية وبنيوية وسياقية، وظروف آنية ومستمرة، وهذا نلمسه حين نتعامل مع الغرب بأدواتنا أو عندما تقوم صحيفة الشعب بمخاطبة السياسيين الأمريكيين وفق رؤيتها، كالداعية الذي خاطب أحد الأمريكان المسيحيين في سيمينول كاونتي بفلوريدا قائلا له: هل ترضاه لأمك ولأختك؟ فأجابه: so what! .

لم يطرأ تغيير جوهري على مفهوم الإعلام ودوره من أوائل القرن التاسع عشر إلى نهايات القرن العشرين منذ أن ألقى المفكر الإيرلندي إدموند بروك في البرلمان البريطاني الضوء على دور المراسلين الصحفيين وجعلهم «سلطة رابعة» تضاف إلى «السلطات الثلاث» التي قررها الفيلسوف الفرنسي مونتسيكيو للحكومة وهي «التشريعية والتنفيذية والقضائية» وضرورة الفصل بينها، واعتمد الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية على طروحاته، ولقي قبولا من المهاجرين البريطانيين الأوائل الذين أسسوا ولايات أمريكا الأولى، ومن المهاجرين الأوربيين الذين هربوا من جور رجال الدين (الكنيسة) وظلم النبلاء (الإقطاع) حيث قام الدستور الأمريكي على جدلية تجاذب السلطات بين التشريعية (الكونجرس) والتنفيذية (الحكومة) حتى لا يتجه أحدهما إلى الديكتاتورية واحتكار السلطة على النحو الذي كانوا يعانون منه في أوروبا العصور الوسطى، وتكون السلطة القضائية هي الثالثة التي تفصل بين الأولى والثانية، ومع تعاظم دور الصحافة أخذت موقعها ونفوذها في أن تكون سلطة رابعة تراقب السلطات الثلاث، إلى درجة أن توماس جيفرسون أحد أهم الآباء المؤسسين وكاتب إعلان الاستقلال والرئيس الثالث لأمريكا قال في عام 1807 : لو ترك الأمر لي للاختيار مابين حكومة بلا صحافة أو صحافة بلا حكومة لاخترت الثانية بلا تردد.

ومع امتداد الوقت والممارسة الحقيقية وصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي نص على حق الفرد في التعبير عن رأيه واعتقاده الشخصي ونشره وتطبيقه تبلورت مهمة السلطة الرابعة في: (1) تعميق المعرفة، (2) التنوير، (3) تشكيل الرأي العام وتوجيهه، (4) نشر المعلومة وخلق القضايا، (5) تمثيل الشعب والأصوات الضعيفة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد تمت لها السيادة الاعلامية بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن التغيير الجذري قد بدأ بعد الحرب العالمية الأولى 1914-1918 ، إذ كانت المرة الأولى التي تشهد فيها أمريكا دعاية منظمة من قبل مؤسسات الدولة، وكان للإمبراطورية البريطانية وزارة للمعلومات، وظهرت حاجتهم الفعلية لعمل يضمن دفع أمريكا للدخول إلى الحرب وإلا واجهوا مشكلة صعبة، والمهمة الأساسية لتلك الوزارة هي «شيطنة الألمان».

ووفقا لنعوم تشومسكي» فقد تطورت الدعاية الإعلامية الأمريكية خلال أربعة مراحل هي:

(1) مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية عبر إطلاق الشائعات وتوجيه الرأي العام، ولعب المنظّر السياسي والإعلامي الأمريكي «هارولد لاسويل» ( 1902 – 1978 ) دورا مهما في تنظيم الدعاية الأمريكية من خلال أفكاره التي أصبحت جزءا من النظرية القائلة بأن الدعاية تنقل إلى الناس الأفكار والآراء، وهي التي سمحت للأمريكيين بتصدير سياسة بلادهم للخارج باستخدام الإذاعات الموجهة وإنشاء جهاز مركزي للدعاية السياسية في الداخل والخارج في 1940 عبر « إذاعة صوت أمريكا «.

(2) مرحلة أثناء الحرب العالمية الثانية حين أصبح مكتب المعلومات العسكرية مرتبطا بالخارجية الأمريكية في 1945 وأصبحت عملا منظما ومنتظما للحكومة الأمريكية.

(3) مع بدء الحرب الباردة، تمكنت الولايات المتحدة باستخدام الأجهزة الإعلامية والدعائية السريعة التطور من حشد شعوب أخرى في صفها وخلق مواقف مؤيدة، حيث تم تزويد 90 دولة بأكثر من 2000 محطة تلفزيونية فضلا عن المحطات الإذاعية وصولا إلى هزيمة عدوها التقليدي الاتحاد السوفيتي السابق 1989.

(4) بعد مرحلة الحرب الباردة برز مفهوم العولمة، وهي تداخل الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية بالانترنت كنتاج للثورة العلمية والتكنولوجيا، وتمكنت الولايات المتحدة من السيطرة على تكنولوجيا المعلومات عبر تقديم أفكار الدعاية بشكل جديد يضمن لها استمرار السيطرة.

هذا على مستوى التخطيط السياسي الخارجي والداخلي أو مرسل الرسالة، أما على مستوى مستقبِل الرسالة وهو المستهلِك فإن معظم الأمريكيين يعتمدون في مصادر أخبارهم على وسائل الإعلام وليس عبر تناقلها من الأشخاص أو من مصادر أخرى حسب طبيعة تكوين المجتمع الأمريكي، ولذلك تتمتع وسائل الإعلام بتأثير كبير داخل الديموقراطية الأمريكية، ومن خلالها ينظر الأمريكيون إلى العالم ويتشكل لديهم مايعتبرونه مهما أو غير مهم، صالحا أو شريرا، وأصبحت عملية الانتخابات هي الوقود الذي يزيد من سرعة قاطرة تأثير الإعلام كلما تباطأت سرعتها، وقامت وسائل الإعلام بدورها الرباعي المعروف: نقل الأخبار، والوسيط بين الحكومة والشعب، والمساعدة في تحديد القضايا التي يجب مناقشتها، والمحافظة على مشاركة الناس بنشاط في المجتمع والسياسة، وربما دفعهم إليها أحيانا، وقد رأينا بعد تولي بايدون وهدوء الوضع السياسي انخفاض جمهور CNN إلى النصف بين ديسمبر ومارس، وفقدت نيويورك تايمز 20 مليون زائر لموقعها، وواشنطن بوست 30 مليونا بين شهري يناير وفبراير.

يدرك معظم الأمريكيين أن وسائل الإعلام متحيزة، ولا يضايقهم أن يكونوا جزءا من هذا التحيز، فالوسائل قادرة على تحديد الأخبار التي تعكس توجهاتها الحزبية، وإذا كانت معظم الصحف والمحطات الإخبارية التلفزيونية الكبرى تقدم نفسها على أنها موضوعية مدللين بأنها تنقل القصص نفسها بدون تحيز، فإن التحيز موجود في اختيار نوعية الموضوعات والشخصيات وتعليقات المحللين وكتاب الرأي، وكلنا شاهد شكوى الرئيس ترمب والجمهوريين من التحيز الليبرالي ضد آراء السياسيين المحافظين، وحتى في الحالات التي تلعب فيها وسائل الإعلام دور ممثل الشعب في محاسبة المسؤولين تتزعزع مسألة الموضوعية لأنها تتطلب من مراسلي الإعلام اتخاذ موقف ما حتى إن لم يكن مهما للناس في البداية موضوع كشف الأخطاء والفضائح الحكومية، مثل قضية ووترجيت التي أجراها الصحفيان بوب وودوارد وكارل بيرنشتاين، وإيران كونترا ومونيكا لوينسكي، أو حتى صحيحا مثل مبررات غزو العراق.

ومع ذلك تلعب وسائل الإعلام دورا مزدوجا بين الحكومة والشعب في اتجاهين، حيث يخبرون الناس بما تفعله الحكومة، وتخبر الحكومة بما يفكر فيه الناس.

.

.

قراءة في مشهدنا الإعلامي (2 / 4): تحول الإعلام إلى السلطة الخامسة

الحكمة الذهبية التي قالها «سوفوكليس» قديما: «قيمة المعرفة يحددها أسلوب استخدامها».

تبلور مع الوقت إعلامان يسيران جنبا إلى جنب، يتداخلان حينا ويتقاطعان أحيانا ويتنافران أحيانا أخرى، وقد يتحالفان في وقت ويستخدم أحدهما الآخر في أوقات، ولكنهما في جميع الأحوال ملتصقان ببعضهما البعض كتوائم سيامية، يتعاملان مع بعضهما البعض، وتتشابك علاقاتهما المتأرجحة بين التوتر والقطيعة والاحتواء، أحدهما: «إعلام المنظمة»، والمنظمة قد تكون دولة أو حكومة، أو حزبا سياسيا أو دينيا، أو سلطة مدنية أو عسكرية، أو منظومة إعلامية ضخمة، أو كارتيلا متخصصا في السلاح، أو الأدوية أو الدخان، أو المخدرات أو التقنية، والآخر: «إعلام الممارسة»؛ في المؤسسات الصحفية العريقة، وكبريات القنوات الإخبارية الدولية، وما يدور في فلكها من شركات ومؤسسات الملتيميديا.

وكلا الإعلامين يسعي إلى سلطة التأثير، فإعلام المنظمة يمتلك القوة والنفوذ والمال، ويحتاج إلى استخدامها لتحقيق السلطة في التأثير على الجماهير، وتشكيل الرأي العام وفق أجندته الظاهرة والخفية، عن طريق تحييد أو احتواء، أو ركوب أو شراء إعلام الممارسة، وفي المقابل يملك إعلام الممارسة جيوشا من العاملين، يتصفون في المجمل بالاستقلالية، والمصداقية وأخلاقيات العمل، ويحتاج إلى سلطة التأثير لمجابهة المنظمة، بكل عنفها وسطوتها ونفوذها ومالها، ويتطلع أحيانا إلى استخدام نفوذ ومال المنظمة لتعظيم دوره، وبين المصالح المتضاربة لإعلامَي المنظمة والممارسة، يتموضع الإعلاميون ويتوزع أداؤهم الإعلامي، كما تنحاز الوسائط الإعلامية نفسها لأحد الجانبين بشكل سافر في بعض الأحيان، ومتسربلة بلباس الشرف والفضيلة والنزاهة، والموضوعية في معظم الأحيان.

ومن هنا لاحظ إيناسيو رامونه رئيس تحرير لوموند دبلوماتيك، أن كل الأطراف «من أفراد ومراكز ضغط، ومؤسسات غير حكومية، ورجال أعمال وسياسيين في السلطة أو المعارضة» تسعى اليوم للاستفادة من سلطة الميديا، بعد أن تداخلت وسائل الإعلام والاتصال «المقروءة والمسموعة والمرئية والتفاعلية» عبر شبكة الإنترنت، فوضع مفهوم «السلطة الخامسة» لوصف مدى تأثير الميديا اليوم، وتلاعبها بالحياة السياسية، بنفس القدر الذي تتلاعب السياسة بالميديا.

وتجلى إعلام المنظمة بشكل واضح، بسيطرة الولايات المتحدة على تكنولوجيا المعلومات، والبيانات الضخمة وتقنيات الاتصال، واستخدمت الإعلام لإحكام سيطرتها، بعد أن وصلت إلى قناعة أن «المجتمع في عصر العولمة لم يعد مجتمعًا إعلاميًا، وإنما أصبح موجهًا إعلاميًا» للأسباب التالية:

أولا: تساهم السلطة الخامسة في صنع السياسة الخارجية، وهي تؤثر على كل من صناع القرار والرأي العام، حيث إن آراء المواطنين تتشكل عبر ملاحظة الأحداث وتفسيرها. وبالنسبة لصناع القرار، تقوم «السلطة الخامسة» من صحافة، وإذاعة، وتلفزيون وإنترنت، بدور بارز في إمدادهم بجزء مهم من المعلومات، التي تتخذ على أساسها القرارات، إلى جانب كونها مؤشرا للرأي العام، ودليلا لمواقف المواطنين تجاه السياسة الداخلية والخارجية للدولة.

ثانيا: تلعب السلطة الخامسة دور الموجه للرأي العام، فمواقف الإعلام المحلي من القضايا الدولية، كثيراً ما يتقبلها المواطن العادي ويجعلها الأساس لتفسيره للأحداث الدولية، فضلا عن كونها الرابط القومي للمواطنين، لا سيما في عصر السماوات المفتوحة والإعلام المضاد.

ثالثا: أصبحت القوة الناعمة اليوم في خدمة القوة العسكرية، وعلى سبيل المثال، لم تستخدم أمريكا القوى الناعمة فقط، وهي حسب عالم السياسة الشهير «جوزيف ناي»: «إقناع الآخرين بما تريده دون ممارسة وسائل عنيفة أو التلويح بها». وإنما وظفت هذه القوى في تفعيل القوى الصلبة، من خلال بناء شبكة علاقات مع قوى سياسية أخرى، مثل بناء مؤسسة دفاعية «عسكرية» في الظل، من خلال مجموعات من الخبراء والباحثين في مراكز البحث الأمريكية، لتوفر البدائل الممكنة في السياسة الخارجية.

رابعا: بدأت السلطة الخامسة في عصر العولمة «في العالم المتقدم» تحذو حذو وسائل الإعلام في الولايات المتحدة منذ عام 2008 وحتى اليوم، وهو تفعيل نهج الدبلوماسية العامة الأمريكية في الخارج، فقد رفعت «كارين هيوز» مستشارة الدبلوماسية العامة السابقة في البيت الأبيض، تقريرا للرئيس بوش الابن وقتئذ مفاده: إن الإعلام الموجه للشعوب الخارجية، لن يصنع تغييرا في الصورة النمطية عن الولايات المتحدة، لذلك يجب التركيز على أدوات أخرى للدبلوماسية العامة، مثل التعليم وبرامج تعليم اللغة الإنجليزية، والتبادل الثقافي الذي يترك أثره على المدى الطويل.

وفي محيطنا الإقليمي شاركت دولة خليجية، فى إعداد دراسات وأبحاث بالتعاون مع دول غربية، لها خبرة فى كيفية حشد الجماهير، حول قضايا اجتماعية تهم المواطن العربى، لا سيما قضايا العمال وكيفية الحشد لها على مواقع التواصل الاجتماعى، إضافة لآلية حشد أكبر عدد من الجماهير للنزول للتظاهر، والاحتجاج على ظروف معيشية، ببث مقاطع مصورة تثير عاطفة المواطنين، وتكسر حاجز الخوف بداخلهم، للتظاهر وسبل مواجهة قوات الأمن، بنشر توجيهات لشل حركة القوات، واستهدافها بشكل مباشر وكسر الحاجز النفسى بين ضابط الشرطة والمواطن البسيط، ونستطيع بتطبيقات إجرائية بسيطة موضعة الوسائط الإعلامية المتعددة التي نعرفها، الإقليمية منها والعربية والدولية، في الخانات المتعددة بين إعلام المنظمة وإعلام الممارسة.

الأمية الإعلامية تطور مفهومها أيضا، فبعد أن كان الإعلامي الأمي، هو الذي لا يأخذ من كل علم بطرف، ولا يتعلق بأسباب الأدب خاصة في فترة المقطم والرسالة في مصر، وصحافة الأفراد في السعودية، أصبحت الأمية الإعلامية يتصف بها من لا يحسن صناعة الأخبار والتقارير، ثم من لا يعرف استخدام برامج الحاسب، وتطور المفهوم بعد ذلك لمن لا يعرف الأسئلة الستة: كيف؟ ولماذا؟ وأين؟ ومتى؟ ومن؟ وماذا؟ «5W+H» ثم لمن لا يعرف صياغة مادته والإحاطة بسياقها المحلي والدولي، وتنفيذها وإخراجها بنفس الوقت، ثم من لا يعرف صحافة البيانات وصيغ القصص البديلة، والآن أصبحت المهنة أكثر تعقيدا حين يصبح أميا من لا ينطبق عليه تعريف صديقنا محمد صادق دياب رحمه الله، بأن الصحفي: «توليفة مركبة فيها جزء من المثقف وجزء من السياسي، وجزء من النبيل وجزء من الأفاق، وجزء من الملاك وجزء من الشيطان»، وذلك بعد أن تداخل في تركيبة العملية الإعلامية نفسها، الإعلامي بالمثقف والمخابراتي والمحلل والفهلوي، نتيجة تعقد العلاقة بين إعلام المنظمة وإعلام الممارسة.

.

.

قراءة في مشهدنا الإعلامي (4-3): الأخبار تجدنا ولا نبحث عنها

في السعودية تغيرت طبيعة أركان الإعلام الأربعة وهي المستقبل والمرسل والرسالة والوسيلة وخاصة في العقد الأخير فقد أدى تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلى جعل الفضاء العالمي أقل تباعدًا، ولم تعد المعلومات تستغرق أسابيع أو أيامًا أو حتى ساعات بل ثواني معدودة، ولم يعد الإعلامي يضع في ذهنه الأسئلة الستة قبل أن يصنع محتواه للجمهور، وتغيرت القيم الذهبية الأساسية وهي: الأخلاق، والخير، والحق، والجمال، فاختلفت مقاييسها وخرجت عن المعايير التي ضبطها بها علماء الفلسفة والأدباء والمفكرون عبر العصور، لأن السياق القيمي تم تقويضه بفضاء اجتماعي متشابك أهم معاييره الانتشار والشعبوية والمال والإبهار، وتتغير المعايير سريعا وفق تفاعل المتابعين، وتزداد درجة الإبهار والإمتاع علوا على حطام المعايير القيمية المعهودة.

والوسائط الإعلامية لم تعد التلفزيون والإذاعة والصحف والمواقع الإلكترونية الإخبارية منها والمتخصصة، وإنما مجموعة ضخمة من التطبيقات في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والحواسيب خاصة المحمولة، وأهم مايميزها هو الترابط والوصول إلى المستلمين الفردانيين ومرسلي الرسائل، والتفاعل، ومرونة تشكيل الرسالة الرقمية ومحتواها، وصار مجتمع «الشبكة» هو تشكيل اجتماعي منظم من مجموعات ومنظمات ومجتمعات جماهيرية لكل فرد منها علاقة جماعية واسعة في الفضاء الرقمي من خلال التطبيقات بمافيها الألعاب، وبدأ ينشأ نوع من الترابط الاجتماعي المختلف ويتحول بعضه إلى نوع من الولاء: لمجموعة التطبيق ونجومه وللتطبيق نفسه وللعلامة التجارية.

دخل الإعلام في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين في العصر الإعلامي الثاني في مقابل «العصر الإعلامي الأول» أو التقليدي، وتميز عن سابقه بمجموعة من الخصائص منها:

1- طبيعته التفاعلية التي أخرجت الجمهور من الاستهلاك إلى الإنتاج.

2- تعقد الاتجاهات، فلم يعد التحول من الرأسي إلى الأفقي فقط بل أصبح متشابكا ومتداخلا من كل الأطراف إلى كل الأطراف، والجمهور لا يتصل بالوسائط الاجتماعية وحدها ولكن أيضا بين مستخدمي الوسائل نفسها.

3- كان التحكم في مجال الأعمال والسلطة لمن لديه نموذج في فرض مصادر المعلومات على الوسائط الإعلامية، ولم يكن إنتاج المعلومات مجانيا، ويتم إنشاؤها وفقا لرغبات أصحاب السلطة، والآن أصبحت السيطرة على مصادر المعلومات أقل، وشارك الجمهور في ممارسة السيطرة على مصادرها.

4- يسهل تصنيف الجمهور في عصر الإعلام الأول في أنماط متجانسة وغير متجانسة، بينما يصعب ذلك حاليا، حيث تتغير أنماط الجماهير وسلوكها سريعا، وتكون أكثر قدرة ظاهريا على تكييف أنفسها مع رغباتها للوصول إلى المحتوى في حين تكون التشكيلات البنيوية العميقة أكثر تماسكا وثباتا.

5- كانت وسائل الإعلام تعتبر الجمهور متلقيا سلبيًا والآن أشرك الجمهور نفسه وأصبح أكثر نشاطًا، ومصادر المعلومات مفتوحة بل أصبح هو نفسه مصدر المعلومة ومنتجا للمحتوى، وهنا نشأ الصراع بين مالكي رأس المال في إعلام المنظمة وقوة الجمهور.

لذلك تحول الخبر من كونه رسالة إعلامية من طرف إلى طرف سواء كان معلومة نصية أو صورة إلى خطاب، فالصورة صارت علامة متضخمة، والخبر لم يعد رسالة يستهلكها الفرد وينفعل معها دهشة أو انطباعا سعيدا وحزينا، وإنما أصبح خطابا يتجاوز الإعلامي إلى الاجتماعي، فصورة تحدٍّ في التيك توك لا ينظر لها على أنها مقطع للإمتاع وإنما يصبح سلوكا محفزا من حوض الأمازون إلى أطراف الدهناء، ورقصة التابوت التي تم تركيبها في فترة كورونا لم تعد مجرد مقطع استهلاكي لأربعة سمر يحملون تابوتا وفق طقس جنائزي راقص في غانا، وإنما حولت الناس إلى منتجين لخطاب عريض يحمل الكوميديا والسخرية وموقفا متمردا من السلطة والموت والمرض وتعليمات الحجر الصارمة، وتحولت إلى مادة يحللها علماء الاجتماع والإعلام والسياسة والفنون السيميائية، وتحول المتلقون إلى سلطة تفوق سلطة المرسل التقليدي ودمروا قواعد مهنية استبدلوها باللاقاعدة حيث أصبح الخبر نصا مفتوحا متحررا من الأطر المتعارف عليها.

ويظن الناس أن الوسائط في العصر الإعلامي الثاني هي وسائل التواصل الاجتماعي فقط بينما هي جزء من تطبيقات مجتمع الشبكة، ويعد الجوال أو الهاتف المحمول هو وسيلة الوصول الطاغية إذ يشكل 91.5% من منافذ الدخول للتطبيقات، فيما تشكل الحواسيب %7.5، والأجهزة اللوحية أقل من %1

أصبحت تطبيقات الشبكة ومن ضمنها وسائل التواصل الاجتماعي أهم مصدر إخباري للكثيرين، وازداد استخدامها في البحث عن الأخبار بشكل كبير خلال السنوات الماضية، ومن هنا نشأ مفهوم «تجدني الأخبار ولا أبحث عنها» (NFM) نظرًا للكم الهائل من المعلومات المتاحة عبر الإنترنت وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وبعبارة أخرى سوف تجدهم الأخبار، وهذا التصور قد يكون سيئا لدى البعض حيث لا يكون الناس على دراية جيدة بالواقع كما يتخيلون وإنما يتشكلون وفق المياه التي تجرفهم بسرعة لا يملكون معها القدرة على التفكير والتحليل المنطقي حتى بدأت تتسع دائرة الأخبار الكاذبة Fake news كثقب الأوزون.

لغة الرسائل الإعلامية ووسائلها وطريقة تقديمها يجب أن تتغير فما كان صالحا وناجعا في فترة ما لا يعني بالضرورة أنه سيكون ناجحا في فترة أخرى بل ربما تكون نتائجه عكسية، ولننظر إلى الأجيال التي تتعاطى مع الإعلام في السعودية حسب التصنيف العالمي لها، إن جيل الألفية وجيل Z وما بعده يشكلون نحو %80 من السعوديين وهم الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة، فيما يشكل جيل Z وما بعده نحو %58.5 من الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، ومن المعروف أن جيل الألفية يتميز ببراعته في استخدام منصات التكنولوجيا ووسائل التواصل، ويزيد عليهم جيل Z ببراعته في أمور التكنولوجيا، وتبقى نسبة %19 لمن هم فوق 44 عاما وهم جيل X وجيل طفرة المواليد والجيل الصامت الذين يتميزون بالقدرة على الموازنة بين أخلاقيات المهنة ومرتاحون في أداء السلطة، وتخيل أننا نقدم الوجبة التي تناسب %19 من السعوديين إلى %80 لا يفضلون هذا الطعام.

.

.

قراءة في مشهدنا الإعلامي (4-4): حاجتنا إلى ثورة في مجال الإعلام

إن أي تناول لواقع الإعلام السعودي وتحليله يحتاج إلى وضعه في سياقاته الصحيحة حتى لا يكون كلاما في الهواء وتنظيرا منقطعا عن منطلقاته الحقيقية وبعيدا عن الآراء الشوفينية والعاطفية السطحية وجلد الذات، والتخلص من الطرح المضلل لثنائية الورقي/‏الإلكتروني، والتقليدي/‏الجديد، والوسائل القديمة/‏السوشال ميديا، وكأننا في «ملعبة» تجري المحاورة الثنائية فيها على دقات الزير والنجر، ثم ينفض الحفل ويسري كلٌّ إلى بيته.

لا نستطيع أن نضع جميع هياكل قطاع الإعلام في سلة واحدة، ولا أن نضع القطاع الخاص مقابلا لمنظومة الإعلام الحكومية، كما لا يمكن أن نطلب منه أن يقوم بجميع الأدوار وفي كل الأوقات وبجميع الأمكنة لأن هذا التوجه ينتج عنه عمل عشوائي مسطح يعتمد على ردود الأفعال، والتناول الروتيني، والخطاب الرسمي المقولب، واللون الواحد المائل للرمادية، والعمل الوظيفي الذي ينتهي بأداء المهمة، وقياس الكم على حساب التأثير، والولع بضجيج الهاشتاقات والترندات دون معرفة وجهة الرسائل وأثرها، وغلبة اللغة الإنشائية المادحة على حساب المعلومة المباشرة التي تخاطب العقل قبل المشاعر، وتغير وجهة المبادرات الإعلامية التي يفترض أن تتجه من مركز المبادرة إلى الفئات المستهدفة لتعكس اتجاهها لتلميع صاحبة المبادرة أمام الجهات الأعلى مستخدمة في ذلك الجهات المستهدفة.

ولدينا أيضا خلط في المصطلحات والتعريفات، فمصطلح الصحف الورقية والصحف الإلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي ليس دقيقا على إطلاقه، لأن هناك مؤسسات صحفية لديها منصات رقمية عديدة إلى جانب النسخة الورقية، ويفترض بها أن تكون هي مصنع المحتوى الرئيسي الذي يعتمد عليه إعلام المنظمة وإعلام الممارسة، لكنه لا يقوم بهذا الدور لأنه ترهل في فترة سابقة، وعندما أراد أن يكون أكثر رشاقة كانت عملية الريجيم أقسى مما يحتمله جسده المنهك فجمع إلى ضعف الإمكانات المادية والبشرية فقدان الرؤية الإستراتيجية لدى القيادات التنفيذية، إما لعدم وجودها لديهم أو لأن المشكلات الآنية تعيق النظرة المستقبلية البعيدة، والصحف الإلكترونية التي تقارب الألف في المسمى هي باستثناء عدد يسير منها مجرد مواقع شخصية لأفراد لا يملكون الإمكانات المادية وربما المهنية أحيانا، وأرادت الوزارة في غفلة من الزمن أن تتفاخر بوجود 1500 موقع إلكتروني فرخصت لنحو 750 منها ومنحتها رخصة صحيفة إلكترونية.

كان إعلاميو العصر الأول يمارسون المهنة على ضعف إمكاناتهم وتأهيلهم العلمي لكنهم كانوا يملكون الشغف والحس الصحفي والخبرة التراكمية والمعرفة المكتسبة بالقراءة والممارسة وإن لم يتخرجوا في الأكاديميات المعتبرة، وظهر في إعلام العصر الثاني الحالي عدد يعتد به من الإعلاميين الذين حصلوا على تعليم علمي عال وتدريب نوعي يتسلح بلغة أو أكثر خلاف لغته الأم، ولديه علاقات واسعة سياسية وإعلامية وأكاديمية، وصلات بمراكز التفكير والدراسات، لكن يقابلهم في الجانب الآخر من الحقل منظرون بلا ممارسة، وممارسون بلا أساس معرفي، وموظفون بلا حس مهني، وتنفيذيون بلا رؤية، وباحثون عن شهرة أو منصب، وطلاب صيد.

أما التدريب الإعلامي فهو كولد الجارية لا حظ له ولا نصيب منذ أيام المؤسسات الصحفية، مع أن هناك أمرا ساميا وقتها بإلزام المؤسسات باقتطاع جزء من أرباحها للتدريب، وحتى مع تنفيذ بعضها نوعا من التدريب فإنه كان يتم وفقا لقرارات فردية ولأشخاص معينين دون أن تكون هناك إستراتيجية واضحة للمؤسسة لا تتأثر بتغير القيادات، أما تدريب إعلام العصر الثاني الحالي فيشبه إبلا مائة لا تجد فيها راحلة، الحقائب التدريبية والدورات أكثر من أن تحصى، والمدربون المعتمدون حلوا محل المبرمجين اللغويين العصبيين في فترة سالفة ومحل الناشطين الاجتماعيين والنسائيين والحقوقيين في فترة لاحقة، وأصبح التدريب مجالا خصبا لاستغلال الخريجين والخريجات الباحثين والباحثات عن عمل حين يرون ورقة سيرهم الذاتية فقيرة فيضطرون لملئها بدورات يدفعون فيها ألوفا وهم إلى أقل من نصفها أحوج، وتبقى مجرد سطر في السيرة الذاتية صفتها الوحيدة أنها كالطبل صوت عالٍ وجوف خالٍ.

حين نتحدث عن دور الإعلام يجب أن نفرق بين إعلام المنظمة وإعلام الممارسة، وكما أسلفت فإن إعلام المنظمة لدينا يتمثل في الوزارات والهيئات المختلفة والكيانات الاقتصادية والإعلامية الضخمة ذات الموارد العالية، وهذه يجب أن تضع أهدافها القريبة والبعيدة وفق إستراتيجيتها الحقيقية وليس الدعائية أو الادعائية، خاصة وأنها تملك النفوذ والإمكانات المالية والبشرية، وإعلام الممارسة يتمثل في المؤسسات الصحفية والصحف الإلكترونية والقنوات التلفزيونية الخاصة وما يدور في فلكها من ممارسين وممارسات في مجال الإعلام تحديدا، والعلاقة بينهما جدلية مستمرة بحكم طبيعة تكوينهما، غير أن ما حدث منذ 2014 غيَّر كفة الميزان عندما ضعفت موارد إعلام الممارسة، ودخلت في الخط وسائط أخرى وانحسر دور الإعلام التقليدي فتعاظمت سطوة إعلام المنظمة، وقامت بالدورين إعلام المنظمة والممارسة معا، فنشأت تحت مظلتها أجهزة إعلامية ذات ميزانيات ضخمة واضحة أو من بنود أخرى، ولم يعد هدفها توصيل المعلومة أو الإخبار بالخدمة فقط وإنما لوضع سياج حولها يمرر الإطراء ويحميها من النقد، فتم إفساد المهنة واختراق أخلاقياتها بالحوافر المالية والهدايا في حين كان الميثاق الأخلاقي لإعلام العصر الأول يرفض أن تقدم الجهة المستضيفة أو المعنية للصحفي تذاكر السفر والسكن، وعندما صدر نظام المؤسسات الصحفية كان من أهم مواده عدم سيطرة أفراد على العمل الإعلامي وتوجيهه لمصالحهم، ولذلك كان تصويت الأعضاء بعضوية الفرد وليس بقيمة مساهمته في رأس المال، والباب الذي أغلقته الدولة في نظام المؤسسات دخل إليه إعلام المنظمة من الشباك، وكانت قد بدأت إرهاصاتها منذ 2011 عندما بدأت المؤسسات الحكومية في إغراء الصحفيين برواتب فلكية لتعزيز صورتها وتلميعها فأفرغت إعلام الممارسة من كوادرها المتميزة.

ودفعت ظروف العمل السيئة الصحفيين إلى العلاقات العامة لسببين رئيسيين أولهما: شعورهم أن ظروف عملهم تتدهور وتجعلهم غير قادرين على إنتاج صحافة جيدة، والآخر: شعور الكثيرين أن حياتهم المهنية قد وصلت إلى طريق مسدود، مع فرص ضئيلة لمزيد من الترقية أو تحسين الذات، لذلك رأوا أن التغيير الوظيفي يقدم فرصة جديدة.

ولهذا السبب أصبح إعلامنا المحلي كالماء الطهور لا لون ولا طعم ولا رائحة، أما إعلامنا الخارجي فقصوره الذي يشكو منه الجميع يعود للأمرين نفسهما: سطوة ونرجسية وضعف مهنية إعلام المنظمة، وضعف إمكانات إعلام الممارسة أو تخلفه، وما يحدث حاليا حتى في أفضل حالاته لا يتعدى ردود الفعل الانفعالية والطوباوية التي تصل إلى حد الهياط أحيانا، وإغماض العين عن الصورة الذهنية الحقيقية عنا بصرف النظر عن ظروفها ودوافعها، والطيران ببعض الأصوات الإيجابية دون الاهتمام بقيمتها وأثرها في محيطها.

التعامل الإعلامي مع الخارج ليس أداء شركات استطلاعات الرأي والعلاقات العامة المدفوعة ولا في المبادرات الشكلية، ولا بعض الجهود الفردية لإعلاميينا وهي مهمة وثمينة ولكنها غير كافية، وإنما في استيعاب مفهوم «السلطة الخامسة» للإعلام التي تتقاطع إلى حد كبير مع مفهوم القوة الناعمة، والمشكلة أن الناس بعد جوزيف ناي طاروا في التنظير والحديث عن القوة الناعمة دون إدراك حتى أصبح حديث من لا حديث له.

نحن بحاجة إلى ثورة في مجال الإعلام تسير جنبا إلى جنب مع الثورة الإدارية والثورة التنموية والاقتصادية والاستثمارية والسياحية، وإن شئنا الدقة «السلطة الخامسة» وتوظيفها في كل الجوانب كالتبادل الثقافي واللغة العربية والبنى الدينية والسياحة واقتحام المستقبل العلمي في نيوم وغيرها، لأن القوة الناعمة كما تطرح لدينا في وسائل الإعلام الحالية ولدى المنظرين في الوزارات المختلفة لا تناسب مكانة المملكة وقدرها، وهي الدولة الأكبر التي تقود العالم العربي والإسلامي وتشكل نموذجا وتحديا للعالم الثالث في القرن الحادي والعشرين.

لا بد من وجود رؤية واضحة تلم شتات العمل الإعلامي المبعثر في أكثر من جهة والمتضارب أحيانا، وتعيد تجميع عناصر القوة في إعلامنا السعودي وتتخلص من الشوائب والمعوقات، وتعمل بأداء هارموني متناسق ومتكامل بعيدا عن ضجيج التنافس وصخب حب الظهور وأساليب العمل الفردي غير المدروس والمصالح المؤقتة للأفراد والهيئات، وتفرغ الجهات الحكومية لعملها الأساسي وتترك الإعلام للممارسين لأنها فضلا عن إفساد الإعلام كرست خطأ وعن جهل ساذج الصورة الذهنية الخارجية بأن إعلامنا هو إعلام حكومي موجَّه، والشواهد والأمثلة لا حصر لها.

.

.

مصدر المقالات : صحيفة الوطن السعودية
الروابط:

https://www.alwatan.com.sa/article/1072192

https://www.alwatan.com.sa/article/1072525

https://www.alwatan.com.sa/article/1072290

https://www.alwatan.com.sa/article/1072403

لا يوجد ردود

السلطة الرابعة.. والوزير الرابع

مارس
01

الكاتب: طارق الحميد

المصدر: صحيفة عكاظ

https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2012852

 

تعيين الدكتور ماجد القصبي وزيراً مكلفاً لوزارة الإعلام، كوزير رابع، في هذا العهد الميمون، يعني أن إعلامنا في أزمة. وأول أزمة لدينا هي أن الإعلام السعودي أخفق في أن يكون أجنحة رؤية 2030. هل أبالغ؟

الحكم بيننا ما قاله الوزير الدكتور ماجد القصبي، وقبل تكليفه بالمنصب، وذلك بمنتدى الإعلام السعودي الأول، مطلع ديسمبر الماضي، حيث قال: «المفروض أن نضع رؤية إعلامية، أين سيكون إعلامنا السعودي في 2030.. وكيف نرتقي بصناعة الإعلام؛ لأن الإعلام صناعة وفن، وكيف نسوق قصتنا الإعلامية داخلياً وخارجياً». مضيفاً: «اعتبروني جزءاً من الفريق الإعلامي».

وقبل يومين نقلت وكالة الأنباء السعودية أنه «خلال أول يومي عمل بعد تكليفه وزيراً للإعلام، وعقده اجتماعين مع قيادات وزارة الإعلام ورؤساء الهيئات التابعة لها، استغرق الأول ساعتين، واستغرق الثاني ست ساعات، حيث استمع القصبي فيها إلى مهام وأعمال قطاعات الوزارة والهيئات التابعة لها (هيئة الإذاعة والتلفزيون) و(هيئة الإعلام المرئي والمسموع)، و(وكالة الأنباء السعودية)، صارح الوزير المكلف الدكتور ماجد القصبي، قيادات وزارة الإعلام ورؤساء الهيئات التابعة لها، بأن «الأداء غير مرضٍ تماماً، وأنه لا يواكب تطلعات المواطن ونهضة الوطن ومكتسباته».

هذا يعني أن ليس لدى إعلامنا رؤية تواكب رؤية 2030، وهو ما يؤكد ما قلته أعلاه أن إعلامنا في أزمة لأنه كان من المفترض أن يكون إعلامنا بمثابة أجنحة رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والمسوق لها، وصوت الرأي العام لتقويم ما يجب تقويمه، خصوصاً أن صانع القرار ببلادنا لا يتوانى عن التقييم، والتقويم، وحتى التغيير على مستوى القيادات عند الحاجة، وهذا أمر محمود لأننا نسابق الزمن.

وعليه فإن إعلامنا في أزمة. وأول أزمة سنعاني منها في الأعوام الخمسة القادمة هي أزمة القيادات الإعلامية. كم عدد مؤسساتنا الإعلامية، بأنواعها، وكم عدد النجوم الصاعدين المتوقع أن يتبوأوا هذه المؤسسات، والإعلام السعودي كان سباقاً بصناعة النجوم منذ أكثر من ثلاثين عاماً؟

لدينا أزمة بمستقبل المؤسسات الصحافية، وليس بسبب انحسار الإعلانات التجارية وحسب، بل وبسبب فوضى عدم صرامة تطبيق قوانين الملكية الفكرية حيث بات من السهل سرقة، وإعادة بث، ونشر المحتوى الإعلامي، حيث بمقدور أي أحد إطلاق موقع إخباري وسرقة محتوى المؤسسات، وإعادة نشره، قص ولصق، دون أعباء مالية تذكر! أضف إليها أن الفكر الخلاق تجمد لدى كثر من مؤسساتنا، وليس هناك مبادرات للبقاء.

والأدهى أن بعض الجهات باتت تدفع لمشاهير وسائل التواصل الاجتماعية دون حسيب أو رقيب، وبذلك تجير الأموال «لمشاهير»، وليس متخصصين خاضعين لأنظمة وقوانين، مما يؤدي إلى إغلاق مؤسسات، وبالتالي «خراب» بيوت، وتدمير للطبقة الوسطى، مما يقود لأزمات أخرى، ومنها أزمة من هو الصحافي؟ حيث باتت الصحافة، وكما أردد من 15 عاماً، مهنة من لا مهنة له!

الأسبوع الماضي، مثلاً، نشرت «عكاظ» خبراً يكشف عمق الأزمة حول منح هيئة الإعلام المرئي والمسموع البطاقات المهنية لصحفيين وإعلاميين دون تثبّت من المرجع، هيئة الصحفيين، بما يخالف قرار مجلس الوزراء الذي ينص على «قصر الممارسة الصحفية على الصحفيين المعتمدين لدى الهيئة»، وهو ما يعني التساهل بمنح البطاقات الإعلامية حتى لمشاهير التواصل، وغيرهم، ممن لم يتأهلوا، أو يتدرجوا، في العمل الصحافي، وبعضهم لم يمارس حتى المهنة.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، حول «المشاهير»، وفلتة الإعلانات التجارية، فلا بد أن يعاد النظر في الوضع الإعلاني، ويصار إلى ضبط وكالته، أو وكالاته بالداخل، ولذلك دواعٍ سياسية، واقتصادية، وحتى اجتماعية.

والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل لدينا أزمة أيضاً بإيصال رسالتنا، فهل يعقل أن نخسر فرصة إيصال رسالتنا لملايين البشر يومياً قبل بث حي على الهواء لكل صلاة تنقل من قناتنا الرسمية، وبعد الصلاة؟ هل يعقل أن نخسر فرصة إرسال رسالتنا لملايين البشر يومياً في طريق السفر براً من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة، والعكس، دون محطات «إف. إم» بلغات مختلفة؟ لماذا ليس لدينا، مثلا، «إذاعة الهجرة» على «إف. إم» بأربع أو خمس لغات؟ وهل لدينا «تطبيق» للقرآن الكريم خاص بأئمة الحرمين، أو تطبيق خاص لقنوات القرآن والسنة، ومجاناً منا للمسلمين حول العالم؟

هل يعقل أن ليس لدينا محطة «إف. إم» إخبارية داخلية تقدم مناقشات تخدم رؤية 2030، والتحول الذي يعيشه بلدنا؟ هل يعقل أن ليس لدينا محطة «إف. إم» تصل لأوروبا، وأمريكا، عبر الإنترنت في السيارات، وهو أمر متاح، تنقل فنوننا وأخبارنا؟ هل يعقل أن ليس في قنواتنا نجوم، ولا برامج تستضيف نجوماً، وتعيد الاحترام لمفهوم المؤثرين؟ هل يعقل أن نترك الرأي العام لإعلام خارجي، وشائعات وسائل التواصل؟ هل يعقل أن ليس في محطاتنا الرسمية برامج تستحق تنظيم جدول يومنا؟ أين وقت الذروة التلفزيوني؟ إنه موجود بكل العالم، ماذا عنا؟

الأمر الآخر، إعلامنا كان، وطوال ثلاثة عقود مضت، مصنع صناعة أصدقاء السعودية، فهل هو كذلك اليوم؟ الإجابة لا! ولذا فهل يعقل أن يترك إعلامنا للشللية تنخر به؟ أين تنافس مؤسساتنا الإعلامية، صحفاً، وتلفازاً، بالمحتوى، والصحافيين، والقيادات السعودية؟

هل يعقل أن ليس لدينا توثيق لتصريحات مسؤولينا؟ ولا تسريب معلومات لصحفنا، ومحطاتنا؟ هل يعقل أن تعمل محطاتنا 24 ساعة دون أخبار خاصة بالمجمل؟ أين دور النشر لتأليف الكتب التي تهم رؤية بلادنا، وهويتنا؟ أين أفلام الوثائقيات الخاصة بنا؟ أين مكتبة التلفزيون السعودي الغنية، وهي جزء من ذاكرتنا؟

هل يعقل أن هذا حال محطاتنا الرياضية، وبلادنا بلاد النجوم الرياضية؟ أين مسرح التلفزيون؟ أين الاهتمام بتراثنا الغني المتنوع؟ أين الأغاني الوطنية التي كنا نشتهر بها؟ أين الصحيفة الإلكترونية المؤثرة؟ أين الصحيفة الإنجليزية، عبر الإنترنت، بوابة العالم لبلادنا، وهذا عمل سهل لو ولي لأهله وفق رؤية؟ أين الدراما السعودية؟ أين الكوميديا؟ هل طاش ما طاش كان عملاً لا يتكرر؟

كتبت هذا لأن الصحافة، وهي أساس الإعلام، السلطة الرابعة، ونحن أمام الوزير الرابع، وكلنا أمل.

لا يوجد ردود

إصلاح الإعلام.. تساؤلات ومخاوف ومآلات

مارس
01

الكاتب: عبدالسلام فاروق
المصدر: Bit.ly/2TvnCy6
“الإعلام العربي يواجه تهديدا وجوديا لا بتغير طبيعة صناعة المحتوى وتقديمه وتلقيه، بل بحكم التنافسية العالمية.”

الإعلام الغربي يشهد اليوم تغيراً نوعياً هائلاً لا نكاد نستشعره أو نهتم به.

عشرات الكتب والإصدارات والتقارير والأبحاث تتحدث عن مآلات الإعلام في ظل التحولات الهائلة في مدارات الحوكمة والتواصل والتقنية وأذواق الجماهير التي تتغير الآن كل ساعة لا كل عام!

تساؤلات ومخاوف حول مدى تأثير ثقافة الإنترنت والفضائيات على استقرار سوق الصحافة المقروءة والإعلام الورقي. تساؤلات تتهامس في قلق: هل يودع العالم عصر المطبوعات باهظة التكلفة ليستقبل عصر المرئيات والتقنيات والمكتبات الرقمية شبه المجانية؟ والجواب يتأرجح بين طرفي نقيض، أحدهما شديد التفاؤل بأن التطور لن يلغي القديم وأن الكتاب والجريدة باقيان. والآخر يؤكد أن الموجة كاسحة ولا مفر من الانقياد مع تيار التقدم التقني الجارف أو البقاء في عتمة الجب حتى الفناء الحتمي أو الانقراض!

لديهم إحصائيات مقلقة تدعوهم لمثل هذا التساؤل، منها أن جمهور الصحافة المقروءة في أميركا يتناقص باستمرار وباطراد مخيف، ففي حين كانت نسبة قراء الصحف تبلغ 78% من الشعب الأميركي في عام 1970، تقلصت النسبة إلى 40% في عام 1994، ثم إلى 34% في عام 2006. وما زالت تتناقص لدرجة أن بعض الصحف الكبرى في أميركا وأوروبا أوقفت إصداراتها المطبوعة عديمة الجدوى اقتصادياً مكتفيةً بالإصدار الإليكتروني الأفضل من حيث الانتشار والعوائد!

في بلادنا لدينا تساؤلات مختلفة واهتمامات أخرى، ولا نعترف بأن هناك أزمة مقبلة لا في إعلامنا ولا في صحافتنا المقروءة. كل شيء تمام ومستقر والأمور تسير نحو الأفضل. هكذا ننجح في تجاوز الأزمة بإنكار وجودها!

هل هناك أزمة إعلام؟

ليست لدينا أزمة واحدة، بل أزمات. وهي ليست أزمة حديثة بل تراكمية حدثت عبر عدة عقود! إذ أن ما يجري في أروقة المطبخ الإعلامي يختلف كثيراً عما يبدو ظاهراً على سطح الأخبار اليومية وبرامج التوك شو التي تعطي إيحاءً كاذباً بأن الإعلام العربي بخير ويسير بخطى ثابتة في الطريق الصحيح، رغم أن الواقع يشير إلى العكس تماماً. فلا الإعلام بخير ولا هو يسير نحو التعافي والتطور بل إلى طريق مسدود.

الساحة تعج بعشرات الصحف والمجلات والفضائيات دون مردود أو مغزى، مجرد صداع وطنين بلا طحين، وتدوير لأفكار مستهلكة وقديمة ولا جديد على الساحة رغم الإمكانيات الهائلة المتاحة، ورغم ملايين الجنيهات والدولارات والريالات الملقاة هنا وهناك بلا عائد حقيقي.

ليس الحديث هنا عن فساد مالي وإداري ثبت من خلال وقائع سابقة أنه موجود ومتغلغل في الكيان الإعلامي، ولا عن التحزبات وصراعات المصالح وراء الكواليس، وهي أمور منتشرة ومدمرة وموروثات متراكمة على مدى عقود مضت وربما يأتي اليوم الذي نتخلص فيه من تلك الآفات على يد الأجهزة الرقابية والتشريعية والتنفيذية. لكن الأهم أن نبحث فيما يستطاع تغييره داخل المنظومة الإعلامية من رجالها أنفسهم.. مثل التزام المهنية والحيادية ومواكبة التطور وتدريب الكوادر وتدعيم الكيان الإعلامي بالإمكانيات وتطعيمه بالعقول والكفاءات. كلها أشياء من الممكن تداركها لإصلاح ما يمكن إصلاحه في المنظومة الإعلامية المأزومة بشرط أن نعترف أولاً بوجود المشكلة حتى يتسنى لنا التفكير في الحلول.

ما الضرر؟ وما الضرورة؟

وراء الكواليس ثمة محاولات إصلاح تحدث على مستوى المؤسسات الإعلامية والصحفية الخاصة والحكومية في شكل إقالات لبعض الموظفين الكبار، أو بإعادة هيكلة المؤسسات الصحفية وتسريح العمالة الزائدة لترشيد النفقات، أو بغلق بعض النوافذ الصحفية كالمجلات والصحف قليلة التوزيع أو بعمليات البيع أو الدمج أو الشراكة كما حدث مؤخراً مع عدد من المؤسسات الإعلامية.

كلها لا تعدو كونها عمليات ترقيع أو رتق لعيوب إدارية أو اقتصادية أو فنية، بينما الوسط الإعلامي بأسره يعاني، ولا تصلح عمليات الترقيع لإحداث التعافي.

أصحاب المصالح يقولون: لا ضرورة لتطوير منظومة الإعلام، بينما الضرورة ترقى إلى حد صراعات البقاء والوجود. والكسالى يقولون: لا ضرر من الاستمرار على نفس النمط التقليدي القديم، بينما الصدأ والتآكل يكاد يقضي على منظومة الإعلام الرافضة لأي تغيير حقيقي يضعها على الخريطة العالمية.

أين نحن من الخريطة التنافسية؟

هناك فجوة ضخمة بين معايير النجاح، أو ما نعتبره نجاحاً، في وسطنا الإعلامي الإقليمي، وبين معايير التفوق والتنافس العالمي.. فجوة لا تزال تتسع باستمرار ما دمنا نفضل التسطيح والإثارة على الكفاءة والمهنية.

إعلامنا يخسر باستمرار، يخسر جمهوره وبالتالي أرباحه.. وسيظل نزيف الخسائر متواصلاً مع الإصرار على التمسك بمعايير النجاح المغلوطة.

ولكي نجيب بصدق وصراحة عن موقعنا من التنافسية الإعلامية العالمية، دعنا نجيب أولاً عن موقعنا من الحيادية والنزاهة وقوة التأثير وسعة الانتشار والقدرة على خلق التفاعل والجماهيرية وتشكيل الوعي الجمعي.

ماذا عن تدريب الكوادر وتطوير الملكات والإمكانيات لمواكبة الطفرات التقنية الهائلة لدي الإعلام الغربي؟ هل لدينا تصور لمستقبل الإعلام أو منهج أو رؤية استراتيجية أو حتى ميثاق شرف يلتزم به الإعلاميون طواعيةً أو قسراً؟

إننا نسير عكس التيار عندما نغلق مواقع صحفية إليكترونية لا لشيء إلا لعجزنا عن مسايرة واستغلال هذا المورد الإعلامي الحيوي. بينما يتجه العالم كله إلى الإعلام الإليكتروني والميديا الرقمية!

معضلة الصحافة الرقمية

استحوذ الإعلام الرقمي البديل على اهتمام قطاعات واسعة من المتابعين من مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية، رغم افتقاره إلى المصداقية والتوثيق واعتماده على الشائعات والإثارة الزائفة. والسبب أنه نوع رخيص من الإعلام قليل الكلفة لمستخدميه، كما يتميز بالمرونة وتجدد المضمون وجاذبية الشكل. فالخبر الواحد قد يتجدد على مدار الساعة بأكثر من شكل وطريقة، مصحوباً بالصور ومقاطع الفيديو، لهذا يحظى الإعلام الرقمي بجمهور عريض يفوق الصحافة المطبوعة بكثير.

ورغم تلك المزايا لم تتمكن أكثر المؤسسات الصحفية من استغلال النوافذ الإلكترونية لتحقيق عوائد ومكاسب مجزية. فرغم أن الصحافة الإلكترونية هي المفضلة لدى الجمهور بسبب مزاياها، إلا أنها تُعدّ الأسوأ لدى المؤسسات الصحفية بسبب عيوبها الكثيرة: فالصحيفة الإلكترونية تتطلب توظيف كوادر صحفية وفنية من المتخصصين يعملون على مدار الساعة، ما يعني أنها عالية التكلفة، خاصةً وأنها تحتاج للتحديث الدائم بالخدمات والتطبيقات والبرامج، كما تحتاج للتسويق والمتابعة اليومية لتحقيق الانتشار، وهي أمور لا تتوافر للكثير من الصحف. مما يضطرها للاكتفاء بالصحيفة الورقية، أو بموقع إخباري شبه مجاني لا يحتوي على أية تطبيقات أو تحديثات أو موضوعات متجددة. موقع بلا قيمة ولا عوائد، لمجرد التواجد فقط!

الجماهيرية طبقاً لتصنيف “أكابولكو”

الجمهور هو القوة الحقيقية في عالم الإعلام.

فالمحطة الفضائية الأفضل هي التي تحظي بأعلى نسب مشاهدة ومتابعة، والصحيفة الأولى هي صاحبة التوزيع الأكبر، والخبر الأهم لدى المواقع الإلكترونية هو الأكثر تداولاً وقراءة ومشاركة وإعجاب. اللعبة الإعلامية كلها تعتمد على الناس ومدى تفاعلهم وتأثرهم بالوجبة الإعلامية المقدمة لهم.

يفرق قاموس ويبستر بين ثلاثة مفاهيم مختلفة للجمهور: الجمهور كحشد أو كهدف أو كوسيط. وتستهدف وسائل الإعلام المفاهيم الثلاثة جميعها، فهي تهتم بالرقم العام للمتابعين، أي بالحشد. وتهتم بتوسيع رقعة المتابعة، أي باستهداف هذا الحشد. وتهتم ثالثاً وأخيراً بالجمهور كوسيط دعائي وناقل للخبر والمعلومة الصحفية والإعلامية، وهو ما يسهم بشكل غير مباشر في زيادة نسبة المتابعات.

والتصنيف العام للجمهور يتخذ أكثر من شكل: فهناك تصنيف طبقاً للفئة العمرية أو تبعاً للشريحة الاجتماعية أو للنوع أو للعرق أو للانتماءات الفكرية أو المذهبية. ويتحدد التصنيف تبعاً للاتجاهات التي تتبناها المؤسسة الإعلامية. إلا أن هناك دراسات حديثة لجأت لاستقصاء أثر الوجبة الإعلامية أو الصحفية اليومية في خلق حالة من الاهتمام الشعبي الجمعي، سواء بالأخبار المهمة أو بالقضايا الحيوية. بدأت هذه الدراسات في أواخر الستينيات بما يُدعَي “نظرية ترتيب الأجندة”، أو دراسة “شابل هيل”، وهو المكان الذي أجريت فيه الدراسة بولاية شمال كارولينا. وانتهت الدراسة إلى توضيح مدى قدرة الإعلام على ترتيب أجندة أولويات القضايا لدى الجمهور من خلال لعبة الضوء والظل، حيث تستأثر قضايا بعينها على الاهتمام الإعلامي، ويتضح أنها هي نفسها القضايا التي تحظى باهتمام الجمهور! حتى لو كانت غير منسجمة ولا متوافقة مع الواقع!

التصنيف الأحدث لتلك العلاقة بين الإعلام والجماهيرية يُدعَى تصنيف “أكابولكو” والذي اعتمد على نتائج أكثر من 400 دراسة عن ديناميكيات أولويات الأجندة الإعلامية وتوصل إلى اختزال العلاقة في أربعة مقاييس رئيسية تُعدّ بمثابة أدلة إرشادية لبوصلة الأخبار والقضايا الجماهيرية؛ لإبراز كيفية التمحور حول السبق الصحفي أو الخبطة الإعلامية أو القضية القومية لاستغلالها إعلامياً بالشكل الأمثل.

الاهتمام بمثل تلك الدراسات يعطينا تصوراً حول الإعلام كصناعة احترافية ذات تأثير عميق وممتد، لا كمهنة تقليدية روتينية عديمة الثمرة.

مقامات التأثير والفاعلية

تتفاوت قدرة الوجبة الإعلامية المقدمة التأثيرية بين مجرد الإخبار الفردي= بالمعلومة إلى مقام تشكيل الوعي المجتمعي. كما يتفاوت تأثر المتابعين بالمادة الإعلامية بين عدة درجات تبدأ بالتفكير المجرد، وتتدرج إلى الجدل والنقاش، ثم إلى التفاعل والتواصل، وتنتهي إلى خلق حالة من الإحساس الذاتي والمجتمعي بالمسئولية تجاه القضية الإعلامية المطروحة إلى حد تناقلها والتعديل عليها ونشرها بما يحول الجمهور نفسه إلى إعلام بديل.

هناك آليات محددة لخلق حالات التأثر بالمادة الإعلامية كالتكرار والتكثيف والإبهار وحسن العرض والفكاهة، وما يبقَى في ذهن المتابع بعد عرض المادة هو الذي يبرهن على مدى تأثره بتلك المادة. ما يبقَى في الذاكرة، أو ما يتسلل إلى اللاوعي، أو ما يتمكن من تعديل الوعي والسلوك.

تلك الحالة الأخيرة هي أعلى درجات التأثير الإعلامي التي يتحول فيها الإعلام إلى مصدر تنويري ومعرفي. وهي لا تحدث إلا في ظل مادة تتمتع بالمصداقية والنزاهة والعمق وقوة التأثير.

ألوان وأشكال

هناك ثلاثة نماذج رئيسية من الإعلام: إعلام السوق.. والإعلام الدعائي.. وإعلام الحقائق. النموذج الأول – إعلام السوق- هو النوع الذي يتخذ من ذوق الجمهور بوصلة يتحرك على هداها. لا يعبأ إلا بالأرباح كمحرك رئيسي للمادة الإعلامية المقدمة. لهذا لن يجد مانعاً من اختراق وتجاوز كل معايير المهنية والحياد والأخلاق من أجل تحقيق هدفه الأوحد وهو المال. هذا النوع من الإعلام الشعبوي الرخيص باهت الأثر، وغير قادر على الوصول إلى العالمية لأنه يتخلى عن معايير الإعلام المتفق عليها في سبيل تحقيق غايته الرخيصة.

نموذج آخر هو الإعلام الدعائي، أو الإعلام الموجَّه المؤدلج.. وهو نوع من الإعلام المتوحد الذي يدور في فلك التحزب والتعصب والتمحور حول فكرة أو تيار، ويظل يخدم تلك الفكرة ويدعو لها دون الاكتراث للتعددية الطبيعية والاختلاف الغريزي في طبائع البشر وأفكارهم. يظل تأثير هذا النوع من الإعلام محدوداً بالمعتنقين لأفكاره دون غيرهم. وقدرته على اختراق الحدود للوصول إلى العالمية معدومة، بل قدرته على التنافسية الإقليمية والمحلية ضعيفة وقاصرة.

النوع الثالث والأخير هو إعلام الحقائق أو إعلام الرسالة والمبدأ. وهو نوع من الإعلام المحايد المتحرر المستقل، لا يخدم فكرة بعينها ولا ذوقاً محددا، بل يستهدف تقديم الحقيقة البسيطة المجردة دون تزييف أو إضافة أو تحوير. وهو النوع الوحيد القادر على اختراق الحدود، بل واختراق الزمن والوصول إلى أوسع جمهور ممكن في الحاضر والمستقبل. وتندرج تحت هذا الصنف من الإعلام عدة أشكال أخرى فرعية: كالإعلام الوثائقي، والإعلام التأريخي، والإعلام التفاعلي.

ماذا يحدث لو..؟

دعنا نتخيل هذا السيناريو.

الإعلام العربي بصورته الحالية، فضائياته وصحافته، برامج التوك شو المعتادة.

هذا الإعلام بكل ما فيه بات عالمي الانتشار، وباتت موضوعاته السطحية ومضامينه التافهة التقليدية هي بضاعته التي يقدمها يومياً للمشاهدين في كل مكان بالعالم، فكيف سيفكر العالَم نحونا وعنا؟

ولنتخيل الصورة بشكل معكوس.

الإعلام الغربي وقد انتقل بكل آلياته وإمكاناته وكوادره إلى أروقة مؤسساتنا الإعلامية. وتم استبدال كل الإعلام القديم بالفكر الجديد، واستبدال كل الوجوه الإعلامية المشهورة ذات الأجور الخرافية بوجوه إعلامية أخرى أكثر كفاءة وأقل أجراً. فكيف ستكون صورة الإعلام؟ وهل سيظل المحتوى الإعلامي سطحياً كما كان؟

 

لا يوجد ردود